- «الإخوان» استنسخوا مبدأ «الطاعة العمياء» من «الصباح»
- أحد قادة «التنظيم السري» يؤكد انبهار الجماعة بـ«الحشاشين»
- سيد قطب شبه المرشد الأول بـ«شيخ الحشاشين»
- فضيحة «السيارة الجيب» كشفت الوجه القبيح لجماعة الإخوان
- رئيس التنظيم السري فجّر زميله وأسرته خوفاً على المنصب
- بشهادة الإخونجية.. طقوس «بيعة التنظيم السري» ماسونية
- «الحشاشون» و«الإخوان» يتشابهون إلى حد يثير الدهشة
- «التنظيم السري» للإخوان تفرغ لاغتيال المصريين بدلاً من الإنجليز
- والد البنا افتتح مجلة الإخوان بـ«استعدوا يا جنود إلى حيث تؤمرون»
أوضحنا في الحلقات السابقة من هذا التحقيق الاستقصائي الذي يدور في مجمله حول «التاريخ المشبوه لجماعة الإخوان المسلمين»، كيف نشأت الجماعة بدعم مباشر وهبات سخية تلقاها مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا من الإنجليز، وجذور العلاقة التاريخية بين الإخوان وقوى الاستعمار الغربي التي انكشف الكثير من أوراقها بعد الخلاف التاريخي بين البنا وصديقه القديم أحمد السكري (الرجل الثاني في الجماعة والمؤسس الحقيقي لها) الذي خرج من الجماعة مفصولاً بعد كشف مؤامرات المرشد المؤسس مع الإنجليز وغيرهم من أنظمة المخابرات الأجنبية، وتطرقنا أيضاً إلى جذور نشأة مؤسس التنظيم وموارده الفكرية المختلطة في تركيبتها الأساسية بالأهداف السياسية و«الماسونية»، حيث أسس أفكاره الواردة في كتاب «رسائل حسن البنا» على غرار مسمى كتاب «رسائل إخوان الصفا» التي تؤكد تجذر وعمق ارتباطه العقائدي بنشأته الصوفية ومن ثم تأثره الأعمق بالطروحات الماسونية الصرفة لجمال الدين الأفغاني ومن على نهجه.
ولكن هل كان هناك ما هو أسوأ من عمالة «الإخوان» للاستعمار وأجهزة الاستخبارات الأجنبية وارتباط التنظيم فكريا وعملياً بالماسونية العالمية؟ الإجابة المؤكدة هي «نعم» بلا شك، فقد شهدت ليلة الخامس عشر من شهر نوفمبر 1948 حادثة مفصلية في تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين» التي باتت تعرف بـ«قضية السيارة الجيب»، حيث اكتشفت الحكومة المصرية آنذاك أن البنا كان قد أسس منذ عام 1940 تنظيما عسكرياً سرياً اشتهر لاحقا بمسمى «النظام الخاص» الذي تخصص في اغتيال أبرز قيادات الحكومة المصرية بنسخة تبدو -وكما أشير إليها في سلسلة طويلة من المراجع- أنها مستلهمة من ذات الأفعال الشنعاء والمنهج الإرهابي لطائفة «الحشاشين» الإسماعيلية النزارية التي نشأت أواخر القرن الخامس الهجري، وتعد من الفرق التي مرقت من الدين واشتهرت بتنظيمها السري العسكري المتخصص في الاغتيال السياسي الذي روع العالم الإسلامي وأخل بأمنه واستقراره.
«الحشاشون» الأوائل
جماعة «الحشاشين» أسسها أحد تلامذة «الأزهر» وهو الحسن بن الصباح الملقب بـ«شيخ الجبل» وهي طائفة متطرفة انفصلت عن الدولة الفاطمية في أواخر القرن الخامس هجري أو الحادي عشر ميلادي، وانشقت عن المذهب الإسماعيلي تحت مسمى «الإسماعيلية النزارية» نسبة إلى نزار ابن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، داعية إلى إمامته ومن جاء من نسله، وارتدت هذه الجماعة عباءة الدين لتحقيق مطامعها السياسية من خلال دعم وصول نزار إلى الحكم بعد وفاة أبيه ليكون هو الخليفة بدلاً من أخيه المستعلي بالله، ولكن قام المستعلي بالله بأسر أخيه، وغادر الحسن بن الصباح إلى بلاده في إيران ليتحصن مع جماعته داخل قلعة «آلموت» في شمال فارس معقلاً رسمياً لدعوته التي امتدت إلى الشام وتحصن أتباعها أيضاً داخل القلاع الجبلية وفي الأماكن الوعرة التي يصعب الوصول إليها، وكان لهذه الجماعة الأسبقية في تشكيل أول فرقة انتحارية للاغتيالات السياسية في التاريخ الإسلامي، حيث أنشأ زعيمها حسن الصباح نظاماً خاصاً وسرياً يدين أفراده بالطاعة العمياء لمؤسس التنظيم، وقام بتوظيف الدين ليكون أداة للقتل والإرهاب والتدمير في العالم الإسلامي.
وقام حسن الصباح بتقسيم جماعته لمراتب، مخصصاً مرتبة «شيخ الجبل» له كزعيم للتنظيم ومرشداً أعلى له، أما المرتبة الثانية والثالثة فكانت لكبار الدعاة ثم الدعاة، والمرتبة الرابعة مرتبة «الرفاق»، أما المرتبة الأخيرة فكانت الأخطر وهي مرتبة «الفدائيين»، ويتمثل دورها في تنفيذ توجيهات «شيخ الجبل» دون التساؤل أو مناقشة أسباب المهمة، وهذا الأمر يعد شرطاً أساسياً عند انتقاء أفراد هذه الرتبة التي يشترط فيها أيضاً أن لا يكون أفرادها من المتعمقين في أصول الدين والمذهب، وكان دورهم مخصصاً للمهمات العسكرية المطلوب تنفيذها، وهي لا تخرج عن إطار اغتيال القادة والمسؤولين والغدر بهم، وكان يتم تسليحهم بخناجر مسمومة لاستخدامها في أداء مهمات الاغتيال، التي قد تتطلب السفر إلى أماكن بعيدة ودول أخرى لتنفيذ العملية حتى لو وصل الأمر إلى الانتحار من أجل إتمامها، وقد وصف الرحالة محمد ابن جبير الأندلسي تطرف الحشاشين المفرط في الطاعة العمياء لشيخ الجبل، قائلا: «كان شيخ الجبل يأمر أحدهم بالتردي من شاهق الجبل فيتردى ويستعجل في مرضاته».
ودخلت جماعة «الحشاشين» في صراعات مع الخلافة العباسية والفاطمية والسلطنات التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين، وفشلت جميع تلك الدول في اجتثاثهم طوال عشرات السنين من المعارك والحروب، بسبب إستراتيجية التخفي والاغتيالات، لذلك ألقوا الرعب في قلوب الحكام المعادين لهم، بعد تمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت، مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد بالله وابنه الخليفة الراشد وقاضي أصفهان عبيدالله الخطيب وملك بيت المقدس كونراد، واستمرت هذه الجماعة قرابة ثلاثة قرون إلى أن قضى عليها القائد المغولي هولاكو في فارس سنة 1256، ثم تهاوت بقاياها في الشام على يد الظاهر بيبرس سنة 1273.
نسخ ولصق
في مشهد مثيل، أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وقام بتوظيف الدين بهدف الوصول إلى السلطة كخطوة أولى، ومن ثم ينتقل إلى «أستاذية العالم» كما يقول البنا في مذكراته، وبذلك يحقق رؤيته في إعادة دولة الخلافة، حيث بدأت الجماعة نشاطها على أساس أنها حركة دينية، ثم انتقلت في عام 1938 إلى مرحلة العمل السياسي، وفي نهاية المطاف تحولت إلى جماعة إرهابية متطرفة بتبني حسن البنا سياسة العنف كشريعة أساسية لجماعة الإخوان، وكان البنا يبرر ذلك بقوله «لم يكن السيف في يد المسلم إلا كالمشرط في يد الجراح»، ومن هذه المبادئ ابتدعت الجماعة تنظيماً سرياً عام 1940 تحت مسمى «النظام الخاص» بهدف القيام بمهمات متعلقة باغتيال كبار المسؤولين وكل من يعترض طريق الجماعة ويعرقل أهدافها ومهامها وما يحول دون وصولها إلى السلطة، وكان البنا قد قسم مراتب الدعوة الإخوانية إلى «محب» ثم «مؤيد» ثم «منتسب» ثم «منتظم» ثم «عامل» ثم «كادر إخواني»، واشترط في عضو «التنظيم الخاص» أن يدين بالولاء والطاعة العمياء للمرشد، كما كان يتطلب من كل عضو مرشح لهذا النظام الخاص أن يجتاز اختبارات عسكرية ثم يؤدي قسم البيعة على المصحف والمسدس في دلالة واضحة على عسكرة مهام المنتمين لهذه المرتبة، وهي مهام مستنسخة تاريخياً من ذات الأدوار التي قام بها «الفدائيين» تحت سلطة شيخ الحشاشين.
الكثير من المراجع أشارت إلى هذا التشابه العميق بين «الإخوان» و«الحشاشين»، وقامت بتوصيف مترادفات المراتب بين الجماعتين، فعلى سبيل المثال، مرتبة «شيخ الجبل» لدى الحشاشين يقابلها «المرشد العام» لدى الإخوان، و«كبار الدعاة» يقابلها «مكتب الإرشاد»، ومرتبة «الدعاة» عند الحشاشين يقابلها «كادر إخواني» في جماعة البنا، ومرتبة «الفدائيين» يقابلها «التنظيم الخاص».
وكان حسن الصباح يستخدم وسائل مثيرة للسيطرة على عقول المنتسبين لجماعته، فكما جاء في وصف الرحالة الإيطالي ماركو بولو وعدد من المراجع الأخرى، أن حسن الصباح قام بصنع صورة مصغرة للجنة من حدائق وقصور وبساتين وقنوات من الماء والعسل واللبن والفتيات العذارى والغلمان والظرفاء والأروقة الذهبية، ليقوم من خلالها بإغراء وإغواء «الفدائيين» وإخضاعهم تحت سيطرة «شيخ الجبل» الذي كان يدعوهم على موائد الطعام، ثم يبدأ في إعطائهم الحشيش حتى إذا سرى مفعول المخدر في أجسادهم أمر بحملهم إلى الجنة لوقت قصير ثم يعيدهم «شيخ الجبل» أمامه قبل أن يستكملوا متعتهم ليجلسوا وليسألهم أين كنتم؟ وتكون الإجابة المفعمة بالانبهار بأنهم كانوا في الجنة، وهنا يكون الوعد المغري قائلا «إذا كرستم أنفسكم لطاعة أوامري فسوف تجدون السعادة في انتظاركم وسوف تحملكم ملائكتي إلى الجنة للتمتع بها»، وأمام هذا يكون الموت رخيصا والاغتيال سهلا والإرهاب محببا من أجل هذه الجنة المصنوعة ونعيمها.
لقد برعت جماعة «الحشاشين» بحسب وصايا زعيمها الصباح، في التخفي والتنكر لتنفيذ عمليات الاغتيال، وكان «شيخ الجبل» يعتمد على استراتيجيات إضافية ومتنوعة تعتمد على إثارة الجدل والفتن؛ مثل توجيه أسئلة ملغمة لبعض العلماء في المساجد، وإذا عجزوا عن الإجابة ينجح هو في لفت الانتباه إلى أفكاره الملوثة، وكانت هذه إحدى الوسائل الناجعة في استقطاب الأتباع، بالإضافة إلى زرع كبار الدعاة المتمكنين في المساجد لنشر دعوتهم وأفكارهم المسمومة مستغلين بعض رواد المسجد غير الملمين بالدين ليسهل عليهم التغرير بهم وغسل أدمغتهم ومن ثم جرهم إلى عالم الإرهاب والتطرف.
عضو التنظيم السري للإخوان يشبه الفدائي الحشاش، كلاهما يبايع مرشده، مبايعة يختلط فيها الدين بالعسكرية والطاعة العمياء، وتتم في جو من العتمة، ممثل الإمام ملثماً، يضع يدا على القرآن، والأخرى على السلاح، ثم يقسم على السمع والطاعة والكتمان في المنشط والمكره والعسر واليسر دون تردد ولا شك ولا مراجعة، لذلك يصف البنا العلاقة بين الفرد ورئيسه كـ«العلاقة بين جسد الميت والمُغسل»، فالتغييب هو الأساس، والطاعة عمياء بلا أي تفكير وتدبير.
وعند التدقيق في مراجعة هذه المشاهد سنجد أنفسنا أمام جماعتين متشابهتين إلى حد الدهشة، وذلك من حيث الأهداف والمبادئ والعناصر والاستقطاب والجنة المعنوية، والتغرير بهذه العناصر المؤمنة بالأفكار الوهمية والمتطرفة للقيام بما يملى عليهم وسط غياب تام للعقل والوعي ليتم اقتيادهم إلى الموت كاقتياد الخراف إلى المسلخ، في حين يحقق زعماء هذه الجماعات أهدافهم وأطماعهم من خلال امتطاء عقول هؤلاء الجهلة والحمقى.
هكذا أنشأ حسن الصباح أخطر الجماعات الإرهابية في تاريخ العالم الإسلامي، وكاد هؤلاء «الحشاشين» الأوائل أن يندثروا بعد أن قضى عليهم المغول والمماليك، لولا ظهور حسن آخر بعد رحيلهم بثمانية قرون ونيف، ليعيد إحياء الحشاشة باستنساخ تلك الأفكار والأساليب السوداء وتناسلها بنسخة مطورة ومستحدثة تحت مسمى «التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين»، ليقوم باغتيال القادة والمسؤولين على غرار ما فعله أسلافه «الحشاشين».
آراء الإخوان عن «النظام الخاص»
مبدأ العنف والإرهاب تأصل في جماعة الإخوان منذ البدايات، وانكشف ملياً مع طروحات مجلة النذير الإخوانية منذ نشأتها عام 1938، حيث كتب عبدالرحمن الساعاتي (والد حسن البنا) في العدد الأول للمجلة التي رأس تحريرها صالح عشماوي؛ وهو أول من أسند إليه إدارة «التنظيم الخاص»، مقالاً بعنوان «استعدوا يا جنود» يقول فيه «استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون»، ثم يضيف: «استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر، وفى عيونهم عمى».
ولم تكن أوجه الشبه بين «الإخوان» و«الحشاشين» مجرد صدفة أو مقارنة عبثية، فقد أكد علي عشماوي، وهو آخر قائد لـ«التنظيم الخاص» للإخوان، في مذكراته «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»، أن الإخوان درسوا جميع التنظيمات العالمية حين حاولوا بناء «النظام الخاص»، مشيراً إلى أنهم تأثروا جداً بالفكر الباطني في التاريخ الإسلامي، حيث كانت التنظيمات العباسية والعلوية وما صاحبها من فرق سرية، مصدراً أساسياً تم الرجوع إليه ودراسته والاستنارة بالأفكار الحركية في كل تنظيم على حده.
وقال عشماوي، «لقد كانت هناك وقفة شديدة أمام فرقة الحشاشين أتباع حسن الصباح، وكان الانبهار من وصولهم إلى حد الإعجاز في تنفيذ آليات السمع والطاعة، وكيف كان آلاف الأتباع يسمعون ويطيعون حتى لو طلب منهم قتل أنفسهم»، وأشار أيضاً إلى أنهم درسوا الحركات العالمية الأخرى؛ سواء كانت حركات إجرامية أو سياسية مثل المافيا العالمية والتنظيمات الفرنسية، إضافة إلى التنظيمات الصهيونية العالمية بما لها من قوة وانضباط واتصالات بجميع القوى السياسية ومعرفة إخضاع الخصوم والسيطرة عليهم أو تصفيتهم.
وبين أيضاً أن سيد قطب كان له تعليق على ذلك، وهو «أن أي تنظيم يطبع أفراده بصفته»، أي أن التنظيم لو كان إجراميا، خرج الأفراد مجرمين، وإذا كان صهيونيا خرج الأفراد معجبين بالصهيونية، مؤكداً أنه كان يعلم أن قيادة «النظام الخاص» كانت مخترقة من الأجهزة الغربية الاستعمارية وتعمل لحسابها.
وكان منظر جماعة الإخوان «سيد قطب»، قبل انضمامه للإخوان يشبّه حسن البنا وجماعته بحسن الصباح زعيم جماعة الحشاشين، وذلك فقاً لرواية مثبتة خلال مقابلة صحفية مع الدمرداش العقالي، الذي كان عضواً في جماعة الإخوان ثم تركها لاحقاً بعد اعتناقه المذهب الشيعي، والعقالي من أقرباء سيد قطب، وأوضح أن ابن أخت قطب أحمد محمد سالم كان من الإخوان، وأنه كان كلما زار قرية «موشا» في محافظة أسيوط وهي مسقط رأسه، كان يلتقي ابن أخته ومعه عدد من أفراد جماعة الإخوان، فكان قطب يتعمد توجيه الإساءات لحسن البنا أمامهم، وأنه سمعه ذات مرة يسأل ابن أخته: «ماذا فعل بك حسن الصباح وجماعة الحشاشين»، أي أن قطب كان يرى بأن حسن البنا هو نسخة من حسن الصباح، أي أنه إرهابي وحشاش وأن تنظيمه كذلك، وأنه يسيطر على أتباعه بالأوهام، كما فعل الصباح، واستخدم الحشيش ليصبح هؤلاء الأتباع كائنات تابعة له تماماً، وكان ذلك في منتصف الأربعينيات.
طقوس البيعة السرية
يقول الدكتور عبدالعزيز كامل في مذكراته «في نهر الحياة»، وهو عضو سابق في النظام الخاص بالإخوان المسلمين ووزير الأوقاف المصري الأسبق الذي كان يسميه حسن البنا «ابن دعوة الإخوان البكر»، إن طقوس البيعة في التنظيم الخاص تتم داخل غرفة مظلمة لا يعرف من بداخلها ومن الشخص الذي يتحدث إليه بصوت خافت ومريب ليرشده إلى مراسم البيعة، وقال عن أدائه لبيعة التنظيم السري الخاص، إنه كان عليه أن يقسم يمين السمع والطاعة والكتمان وأمامه المصحف والمسدس، وأبدى اعتراضه على هذا الأسلوب، واصفاً بيعة الانضمام للتنظيم الخاص بأنها أقرب إلى النظام «الماسوني» أو الجماعات السرية التي أفرزتها عهود التآمر، وقال إنه إذا كانت الأوامر تتعلق بعمليات عنف وقتل فمن الخطر أن تقوم على السمع والطاعة والكتمان، لأن هذا يعني أنه لن تتم مناقشة الأوامر أو دوافع العمليات وأسباب القتل.
ويذكر كامل في تجربته أثناء أداء قسم بيعة التنظيم الخاص، أنه حين دخل كي يبايع المرشد تعرف على صاحب الصوت الذي يتحدث معه أثناء البيعة، وهو صالح عشماوي الذي يعرفه كامل مسبقا، فقال له ممتعضاً: «ما هذا يا عشماوي وهل من الإسلام أن أضع يدي في يد من لا أعرف؟ ثم ما هذه الأساليب التي أدخلتموها على عملنا ولا أساس لها من ديننا؟ فأجاب صالح عشماوي وكان عضوا في مكتب الإرشاد ورئيس تحرير مجلة الإخوان: «هذا نظامنا»، والرد كان كافياً لشرح حقيقة هذا التنظيم.
وقد أجمعت شهادات غالبية الإخوان، سواء من الأعضاء الذين انشقوا لاحقاً عن التنظيم أو من بقوا على السمع والطاعة حتى مماتهم، على صحة تلك الطقوس العجيبة التي تتم أثناء بيعة الولاء والسمع والطاعة للمؤهلين للانضمام إلى الشق السري من التنظيم، وقدم محمود الصباغ، القيادي المعروف في التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، في كتابه «التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين»، توصيفاً دقيقاً لآلية البيعة داخل التنظيم السري، قائلاً: «كانت البيعة تتم في منزل بحي الصليبة، حيث يدعى العضو المرشح للبيعة ومعه المسؤول عن تكوينه والأخ عبد الرحمن السندي المسؤول عن تكوين الجيش الإسلامي داخل الجماعة، وبعد استراحة في حجرة الاستقبال يتوجه ثلاثتهم إلى حجرة البيعة، فيجدونها مطفأة الأنوار، ويجلسون على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى الجسد تماماً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه برداء أبيض تخرج من جانبيه يداه ممتدتان على منضدة منخفضة (طبلية) عليها مصحف شريف، ولا يمكن للقادم الجديد مهما أمعن النظر فيمن يجلس في مواجهته أن يخمن بأي صورة من صور التخمين من عسى أن يكون هذا الأخ، وتبدأ البيعة بأن يقوم الجالس في المواجهة ليتلقاها نيابة عن المرشد العام بتذكير القادم للبيعة بآيات الله التي تحض على القتال في سبيله وتجعله فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وتبين له الظروف التي تضطرنا إلى أن نجعل تكويننا سرياً في هذه المرحلة، مع بيان شرعية هذه الظروف، فإننا نأخذ البيعة على الجهاد في سبيل الله حتى ينتصر الإسلام أو نهلك دونه مع الالتزام بالكتمان والطاعة، ثم يخرج من جانبه مسدساً، ويطلب للمبايع أن يتحسسه وأن يتحسس المصحف الشريف الذي يبايع عليه، ثم يقول له: فإن خنت العهد أو أفشيت السر فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير، فإذا قبل العضو بذلك كلف بأداء القسم على الانضمام عضواً في الجيش الإسلامي والتعهد بالسمع والطاعة».
هكذا كانت آلية بيعة النظام الخاص التي استخدمها قادة التنظيم السري في تفريخ الإرهابيين في عهد المرشد المؤسس حسن البنا وعلى رأسهم عبدالرحمن السندي الرجل الأول في التنظيم السري آنذاك، زاعمين أن الهدف منها هو تأهيل المجاهدين في سبيل الله للتصدي للمستعمر الإنجليزي والصهيونية العالمية، فيما أثبت التاريخ أنها كانت مجرد دعايات زائفة، فالجهاد المزعوم أفضى عملياً إلى تصفية قائمة طويلة من الخصوم السياسيين وكل من يقف كحجر عثرة من أبناء الشعب المصري أمام مساعي جماعة الإخوان في الوصول إلى هرم السلطة.
«السيارة الجيب» كشفت «الحشاشين الجدد»
قضية ضبط «السيارة الجيب» كانت حادثة مفصلية وقاصمة في تاريخ جماعة الإخوان وزعيمها حسن البنا، فهي الحادثة التي أدت لكشف الوجه الشيطاني الخفي للجماعة، وهو وجود تنظيم سري عسكري للجماعة يعمل في الخفاء ومضى على تأسيسه بسرية تامة ثماني سنوات تحت إشراف المرشد البنا ويرأس الجهاز عبدالرحمن السندي ولم يكن يعلم عنه الكثير من أعضاء الجماعة بما في ذلك قيادات مكتب الإرشاد، حتى أن الشيخ أحمد حسن الباقوري الذي كان مرشحاً لخلافة البنا وعمل مرشداً للجماعة بالإنابة، أكد في كتابه «بقايا ذكريات» بأن أعضاء «النظام الخاص» داخل الإخوان لم يكونوا معروفين إلا لفئة قليلة، وهو نفسه لم يكن يعلم شيئاً عن وجود تنظيم سري داخل الجماعة على الرغم أنه كان وكيلاً للبنا، وعند انكشاف أمر التنظيم استشاط الباقوري غضباً من البنا لأنه أخفى عنه وجود مثل هذه التشكيلات العسكرية داخل الجماعة سرا، ولعدم إفشاء هذا السر له على الرغم من قربه منه، ولم يكن الباقوري هو الوحيد بل غالبية أعضاء جماعة الإخوان لم يكونوا على علم بما يجري سوى أعضاء التنظيم السري وعدد قليل من المحيطين بالبنا من بينهم صهره عبدالحكيم عابدين وشقيقه.
وعلى غرار فرق الاغتيالات السرية للحشاشين ضد القادة السياسيين، كان «التنظيم السري الخاص» التابع لجماعة الإخوان المسلمين يقوم بعمليات اغتيال ضد عدد من المسؤولين في الحكومة المصرية، وتم الكشف عنه بعد أن اشتبه رجال الأمن في 15 نوفمبر 1948 بإحدى سيارات الجيب التي لم تكن تحمل لوحة أرقام، وعند إيقاف المركبة تبين أن بها عددا من أعضاء التنظيم الخاص ومعهم بعض الأسلحة والمتفجرات وشفرات للاتصال اللاسلكي وأوراقا خاصة بالتنظيم السري للجماعة كانوا ينقلونها من إحدى الشقق بحي المحمدي إلى شقة أحد الإخوان بالعباسية وتم القبض على أعضاء التنظيم والسيارة؛ وهم أحمد عادل كمال وطاهر عماد الدين، كما قبض على مصطفى مشهور الذي أصبح لاحقاً المرشد الخامس للجماعة عام 1996، وكانت معه شنطة بها أوراق مهمة عن الجماعة كان من المقرر إعدامها، وأدت واقعة «السيارة الجيب» إلى إصدار محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء آنذاك أمرا عسكريا بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال أعضائها وتأميم ممتلكاتها وفصل موظفي الدولة والطلبة المنتمين لها، وكان هذا القرار سببا في جعل النظام الخاص يقوم باغتيال النقراشي واستمرار مسلسل الاغتيالات ضد كل من يقف في طريقهم.
واتهم في هذه القضية 32 من الإخوان المسلمين ومن أعضاء النظام الخاص، وعلى رأسهم عبد الرحمن السندي ومصطفى مشهور ومحمود الصباغ ومحمد فرغلي والدكتور أحمد الملط وغيرهم من أعضاء الجماعة، ووجهت إليهم عدة اتهامات وهي الإرهاب ومحاولة الاستيلاء على نظام الحكم بالقوة، وقلب وتغيير دستور الدولة وإتلاف سيارات وأسلحة للجيش وتخريب المنشآت الحكومية وأقسام ومراكز الشرطة وغيرها من المرافق الحيوية، وقتل عدد كبير من المصريين، وتعريض حياة الناس للخطر، وتعطيل وسائل النقل العامة، ونيتهم في إتلاف الخطوط التلغرافية والتليفونية الحكومية، وسرقة البنك الأهلي وبعض المحال التجارية، وإتلاف مباني شركة قنال السويس وسكك قطار القاهرة، وقتل خيول الشرطة عن طريق تسميمها، وإقامة واستعمال محطات سرية للإذاعة اللاسلكية دون تصريح من الجهات المسؤولة في الحكومة، وصدرت بحقهم أحكام متفاوتة والبعض الآخر حصل على البراءة لعدم تطابق الأدلة.
لقد كانت حادثة «السيارة الجيب» بمثابة الدليل القاطع على فساد جماعة الإخوان منذ البداية، وأنه بقراءة حيثيات الحكم، التي جاءت في ٢٢٤ ورقة من الحجم الكبير ونشرت عبر دار الفكر الإسلامي سنة ١٩٥٠ في كتاب بعنوان «قضايا الإخوان ــ قضية السيارة الجيب.. الحيثيات ونص الحكم»، لتثبت أن التطرف والإرهاب والتآمر والجريمة المنظمة جزء لا يتجزأ من فكر الإخوان وصلب تكوينهم.
الخلافات الدموية داخل التنظيم السري
عندما تولى حسن الهضيبي مرشداً للإخوان بعد مقتل حسن البنا، قام بإعادة هيكلة جهاز النظام الخاص الذي كان يرأسه عبدالرحمن السندي وإلغاء سرية أعمال الجهاز تماماً، لكن السندي بعد خروجه من السجن لم يرق له الكشف عن النظام الخاص وإلغاء سرية مهامه لذلك رفض الإجراءات التي اتخذها المرشد الهضيبي وتمرد عليه، فقرر الأخير إسناد رئاسة الجهاز إلى عضو الجماعة يوسف طلعت، ولكن حاول السندي رفض القرار وخلق القلاقل داخل الجماعة، فتصدى له السيد فايز؛ وهو من كبار المسؤولين في النظام الخاص وكان مشرفاً على فرع التنظيم الخاص في العاصمة القاهرة، وقام فايز بالتنسيق مع المرشد في التصدي للسندي بضم أفراد النظام الخاص الذين كانوا تحت إشراف السندي إلى قيادته الجديدة برئاسة يوسف طلعت، ووضع السيد فايز نفسه تحت إمرة المرشد العام وعمل على تفكيك سلطة عبدالرحمن السندي، إلى أن استقر النظام الخاص بإدارته الجديدة تحت قيادة يوسف طلعت.
ولكن هذا الموقف الذي اتخذه السيد فايز، انتهى إلى مأساة، فقد تسبب وقوفه في وجه أحد كبار مجرمي الجماعة مثل عبدالرحمن السندي إلى القيام بتصفيته من خلال عملية إرهابية بشعة في 20 من نوفمبر 1953 بواسطة علبة حلوى مفخخة بالديناميت أرسلها السندي وزمرته إلى منزل السيد فايز مغلفة على هيئة هدية بمناسبة المولد النبوي، وقام شقيقه الصغير البالغ تسع سنوات بفتح العلبة فقتل هو وشقيقه السيد فايز وأيضاً طفلة صغيرة كانت تسير تحت شرفة المنزل التي انهارت بسبب شدة الانفجار.
وبعد انتهاء أيام العزاء، صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل أربعة من قادة النظام الخاص هم عبدالرحمن السندي وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي دون أي إيضاحات، ولكن الأمر كان واضحاً، وقد تداولت الكثير من المراجع الإخوانية ضلوع هؤلاء بما لا يدعو للشك في تنفيذ تلك الحادثة الإرهابية الشنعاء، وبشهادة عدد كبير من أعضاء معروفين في الجماعة.
وكانت هذه الحادثة على وجه الخصوص، نموذجاً يثبت تأصل الأعمال الإجرامية في أنفس أعضاء التنظيم السري (الجناح العسكري لجماعة الإخوان)، وكان واضحاً أن الكثير منهم، إن لم يكن الغالبية، بعيدون كل البعد عن الارتباط العقائدي بمبادئ الدين، وليس لديهم سوى رغبة تحقيق النفوذ والوصول لأهداف سياسية تروم الوصول إلى السلطة باستخدام العنف.
أبرز اغتيالات «التنظيم السري»
منذ تأسيس «النظام الخاص» سراً عام 1940 حتى انكشاف أمره عام 1948، قام هذا الجهاز عملياً بتنفيذ سلسلة من عمليات القتل والإرهاب ضد مصر وأبناء الشعب المصري على العكس تماماً من الأهداف التي دعا إليها وهي الجهاد في سبيل الله ضد الإنجليز والصهيونية، وكان من أبرز هذه العمليات الوحشية:
- اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا (24 فبراير 1945)
قام محمود العيسوي المحامي وعضو التنظيم الخاص بإطلاق الرصاص على أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء آنذاك وقتله داخل مجلس النواب، لأن ظن أنه كان السبب في سقوط حسن البنا في انتخابات مجلس النواب في الإسماعيلية، وعقب الحادث تم القبض على كل من حسن البنا، ونائبه أحمد السكري، وعبد الحكيم عابدين سكرتير الجماعة، ولكن تم إخلاء سبيلهم بعد أن أدعى القاتل كذبا انتماءه للحزب الوطني، ولكن شهادة القيادي الإخواني السابق الشيخ أحمد حسن الباقوري في مذكراته (بقايا ذكريات) أثبتت أن العيسوي كان ينتمي للنظام الخاص الذي كان أعضاؤه مجهولين ولا يعرفهم سوى المرشد وقلة من قادة الجماعة، أما القاتل فهو على الأرجح لا يعلم أن خصمه ماهر باشا كان مناضلاً ضمن قادة النضال الوفدي المسلح ضد الاستعمار البريطاني في الثلاثينات.
- اغتيال القاضي أحمد الخازندار (22 مارس 1948)
تم اغتيال المستشار أحمد الخازيندار أمام منزله في حلوان، أثناء توجهه إلى عمله، على أيدي شابين من جماعة الإخوان، وهما حسن عبد الحافظ (سكرتير حسن البنا) ومحمود زينهم، وذلك على خلفية إدانة أعضاء في التنظيم الخاص في قضية تفجير دار سينما مترو، وتم التحقيق مع حسن البنا ثم أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة، وحسب ما أوضحه العضو السابق في التنظيم الخاص للجماعة عبد العزيز كامل، في مذكراته «في نهر الحياة»، أن البنا كان قد دعا لاجتماع مع قادة التنظيم الخاص بعد اغتيال الخازيندار، وقال أنا لم أقل سوى «لو حد يخلصنا منه»، أي أنها مجرد أمنية فهمت على نحو خاطئ من قبل قائد التنظيم الخاص آنذاك عبدالرحمن السندي، على أنه أمر بتنفيذ عملية الاغتيال.
- اغتيال اللواء سليم زكي حكمدار شرطة القاهرة (4 ديسمبر 1948)
قامت مظاهرة وعمليات شغب في الرابع من ديسمبر 1948 داخل حرم كلية الطب بجامعة فؤاد سابقاً (جامعة القاهرة حالياً)، فأمر اللواء سليم زكي، حكمدار شرطة القاهرة قوات الشرطة بالتدخل لفض المظاهرة، ثم ألقى أحد أفراد التنظيم الخاص للإخوان قنبلة من الدور العلوي لمبنى الكلية على موقع تواجد الحكمدار فقتل في الحال، وأكدت التحقيقات أن مدبر العملية عضو في التنظيم الخاص، فيما تحدث عضو التنظيم الخاص محمود الصباغ، عن تلك الحادثة الإرهابية، قائلاً «كان إلقاء القنابل في المظاهرات من جانب المتظاهرين في تلك الأيام أمرا عاديا»، وهو ما يثير التعجب حول المبررات التي يسوقها أعضاء الجماعة.
- اغتيال رئيس الوزراء محمود النقراشي باشا (28 ديسمبر 1948)
قام عضو التنظيم الخاص عبدالمجيد حسن، بتنفيذ عملية اغتيال محمود باشا النقراشي الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة ووزير الداخلية في نفس الوقت، وذلك بعد أن تنكر في زي ضابط شرطة برتبة ملازم أول، وأطلق الرصاص على النقراشي أثناء دخوله مبنى وزارة الداخلية وتوفي على الفور، وكان ذلك انتقاما من النقراشي باشا لإصداره قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين بسبب إدانتهم في قضية «السيارة الجيب»، وفي التحقيقات أجاب القاتل على سبب تنفيذ عملية الاغتيال، قائلاً «أيوه قتلته وأعترف بكده لأنه أصدر قرارا بحل جمعية الإخوان المسلمين وهي جمعية دينية ومن يحلها يهدم الدين».
الجهاد المزعوم ضد الاستعمار البريطاني
لم يكن استهداف الإخوان للاستعمار البريطاني، منذ تأسيس الجماعة، سوى مسرحية هزلية هدفها ذر الرماد في العيون لإبعاد الشبهات عن مخططات الإخوان الحقيقية وعلاقتهم الجذرية والاستراتيجية بقوى الاستعمار الأجنبي، وتحديداً العلاقة التاريخية مع بريطانيا، فهي علاقة امتدت منذ أن أنشأ حسن البنا جماعته داخل كمبات شركة قناة السويس التي كانت تابعة بالكامل للاستعمار، أي في مهد المستعمر البريطاني وأمام أعين وأنظار مسؤوليه.
وفي هذه المسألة، صدرت العديد من الكتب العربية والغربية عن حقيقة وطبيعة هذه العلاقة ورصدت بالوثائق والإثباتات قوة هذه العلاقة التي لا تخرج عن إطار التخطيط والتنسيق وكل ما يؤكد على شيطانية هذا التنظيم الإرهابي الذي يتستر تحت عباءة الدين، وكان كتاب «العلاقات السرية» الذي صدر في 2010 للكاتب البريطاني مارك كيرتس والباحث في المعهد الملكي للبحوث، من أواخر المراجع الغربية المهمة في هذا الشأن، فهذا الكتاب الذي استغرق إعداده أربع سنوات، اعتمد على وثائق سرية مهمة أفرجت عنها الحكومة البريطانية في السنوات الأخيرة عن صلاتها التاريخية القوية مع جماعة الإخوان من خلال التمويل والتخطيط لإفشال العالم العربي والإسلامي، وجاء فيه أن بريطانيا مولت جماعة الإخوان سراً منذ عام 1940 بعد مهادنة حكومة الملك فاروق لحسن البنا، وذلك بهدف التصدي ضد الأحزاب السياسية العلمانية وعلى رأسها حزب الوفد، مستنداً في ذلك إلى تقرير صادر عن المخابرات البريطانية عام 1942، وهو ما يفسر سبب رعاية بريطانيا للجماعة إلى يومنا هذا، وهو إما لعرقلة خصومها أو لتعزيز مصالحها. كما أكد كيرتس في كتابه، أن بريطانيا تآمرت مع الإخوان لاغتيال الرئيس السابق جمال عبدالناصر، وأوضح أن بريطانيا تواصلت في السر مع الإخوان خلال حرب العدوان الثلاثي 1956 بهدف التآمر على الرئيس عبدالناصر إما بإسقاط حكمه أو اغتياله، ومن ثم إعطاء الفرصة للإخوان في تشكيل حكومة بديلة له، وكان تريفور إيفانز المسؤول في السفارة البريطانية بالقاهرة هو من قاد تلك الاتصالات مع الإخوان، وفقاً للوثائق التي استند إليها الكاتب.
أما علي عشماوي، آخر قائد للتنظيم السري الخاص للإخوان، فقد نشر اعترافات خطيرة جداً عن حقيقة كفاح الإخوان ضد الإنجليز من خلال مذكراته في كتاب (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين)، وقال فيه إن قادة جماعة الإخوان عبر جهازها الخاص استغلت الشباب المسلم من خلال البيعة ومبدأ السمع والطاعة العمياء للسيطرة على عقولهم وغسلها ومن ثم توجيههم لتنفيذ مخططاتهم دون أي وعي بالحقيقة التي يخفيها قادة التنظيم. وحول العلاقة مع الإنجليز، تطرق عشماوي إلى حادث التفجير الذي افتعلته الجماعة في فندق الملك جورج بالإسماعيلية عام 1947، وهو مثال واقعي على المسرحية الهزلية عن كفاح الإخوان ضد الإنجليز، إذ قال عشماوي «هذا الفندق يعج بالإنجليز وبالجواسيس في جميع الأشكال، وقد أراد الإخوان ضرب هذا الفندق، ولكن حين تم التنفيذ تم إفراغ العملية من أي تأثير ضار بالإنجليز، وكان من نتيجة ذلك أن قتل منفذ العملية دون أدنى ضرر بالإنجليز»، وأكد على صحة هذه الواقعة القيادي المعروف في التنظيم الخاص صلاح شادي في مذكراته التي قال فيها «لقد أمرنا داخل قسم الوحدات على القيام بعملية إرهاب في داخل فندق الملك جورج، بإشعال عبوة ناسفة لا تؤدي إلى قتل أو إصابته بجسامة، وإنما تعلم فقط عن ملاحقته للعملاء والمخابرات الإنجليزي، وكلفنا الأخ رفعت النجار من سلاح الطيران بالقيام بهذه العملية، بأن يحمل دوسيهاً به مادة ناسفة، ويشعلها ثم يتركها في ردهة الفندق إلى جوار الحائط خلف ستارة مدلاة على حائط الردهة ثم ينهض بعد ذلك ويمضي خارج الفندق وجرى التنفيذ على أحسن وجه، ولكن ظهر للأخ رفعت عند مغادرته المكان أحد رجال المخابرات من الإنجليز الذى اقترب من المكان فظل ممسكاً بالدوسيه حتى انفجر فيه ومات متأثراً بجراحه، فقد خشى أن يقتل رجل المخابرات الإنجليزي»، لهذه الدرجة بلغت التضحية، وهذه الواقعة تؤكد على أن افتعال مثل هذه العمليات كان فقط للترويج الكاذب على أنهم يناهضون الاستعمار.
ومن الشواهد الأخرى التي أصابت علي عشماوي بالدهشة والغرابة، كانت حادثة قيام أحد شباب الإخوان المتحمس من غير المنتسبين لجهاز التنظيم السري الخاص، بإطلاق النار على منازل اليهود في منطقة مصر الجديدة في أغسطس 1948، فتسبب في مقتل وجرح عدد من اليهود، فأمر عبدالرحمن السندي رئيس النظام الخاص آنذاك بالبحث عنه ومنع أي شخص من أي عمل مماثل وكان يمنع أفراد الجهاز الخاص من أي عمليات ضد اليهود.
أما المستشرق الإنجليزي ورجل المخابرات البريطانية «ج. هيوارث دن» الذي جاء إلى مصر مطلع الثلاثينات بهدف دراسة التراث العربي، ثم غير مسار اهتمامه بتوجهه إلى جماعة الإخوان والدخول في صداقة حميمة مع المرشد حسن البنا، إلى أن أعلن اعتناقه الإسلام وتغيير اسمه إلى جمال الدين هيوارث دن، وأصدر عام 1950 كتابا بعنوان «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة»، وجاء في كتابه أن «شركة الإعلانات العربية» التي أسسها حسن البنا لتكون ذراعه في مجال الإعلام والصحافة والنشر، تعرضت لمنافسة شديدة من شركة «الإعلانات الشرقية» التي كانت مملوكة لعدد من اليهود المصريين، فقام التنظيم الخاص التابع لحسن البنا بتفجير هذه الشركة بدعوى أنها يهودية وصهيونية، وأكد هيوراث دن وغيره من المنتسبين للإخوان أيضاً، أن سبب التفجير هو أنها كانت منافسة لشركة البنا؛ أي أن البنا لم يفجر الشركة اليهودية لأنه يحارب الاستعمار الأجنبي والصهاينة اليهود، ولكن لأنها كانت تنافس شركته، وزعم الإخوان حينها أن شركة الإعلانات الشرقية، كانت ملاذا استخباراتيا لليهود، ولذلك قاموا بنسفها رغم وجود مصريين يعملون فيها، وذهب في التفجير العديد من الضحايا الأبرياء، ووصف الحادثة المؤرخ الإخواني أحمد عادل كمال: «تمّ حادث شركة الإعلانات بسيارة بيك أب امتلأت بصناديق المتفجرات ساقها أخونا علي الخولي، حتى حشرها في بوابة المبنى الكبير للشركة، ثم تظاهر بتعطيلها، وأجاب بأن بها ورقا للشركة، وانصرف بحجة إحضار مفك وبعض الأدوات اللازمة لتشغيل السيارة، وبعد انصرافه انفجرت، وظلت السماء تمطر حجارة من حطامها لدقائق بعدها، ولقد سمعت ذلك الانفجار من منزلي الذي كان يبعد نحو سبعة كيلومترات، ومن المؤسف أن قتل في الحادث بعض المواطنين بينهم الشرطي المصري المكلف بالحراسة».
وعندما خرجت دعوات من الإخوان عام 1951 إلى القتال ضد البريطانيين، جاء في تقرير صادر عن السفارة البريطانية في القاهرة في نفس العام، أرفقه الباحث البريطاني مارك كورتيس في كتابه «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع المتطرفين الإسلاميين»، أن نوايا الإخوان في استهداف الإنجليز غير حقيقية رغم التأكيدات على أن الإخوان كانوا يخططون لإرسال إرهابيين إلى منطقة القناة، ولكن التقرير أكد أن الإخوان لا ينوون جدياً ضرب القوات البريطانية، وأوضح بأنه على الرغم من تورط الإخوان في بعض الهجمات ضد البريطانيين، إلا أنها تصرفات فردية من بعض الشباب المتحمس وأنها حالات «عدم انضباط» وتتعارض تماماً مع سياسات قادة الإخوان، كما تظهر الملفات السرية، التي أصبحت متاحة للاطلاع في أرشيف الوثائق البريطاني، أن المسؤولين البريطانيين عقدوا لقاءات مع أحد مستشاري مرشد الإخوان حسن الهضيبي في ديسمبر عام 1951، وأكدت الوثائق البريطانية على أنه على الرغم من الدعوات العلنية لجماعة الإخوان لشن هجمات على البريطانيين إلا أنهم كانوا مستعدين تماما للقائهم سرا، وهذا الأمر يؤكد على أن هدف الإخوان الوحيد هو رغبة الوصول إلى السلطة، وأن هؤلاء الإرهابيين مستعدون للعق نعال الغرب من أجل السلطة.
إلى هنا، نتوقف في هذه الحلقة عند هذا القدر من الحقائق، بعد أن أوضحنا جزءا يسيرا من حقيقة جماعة الإخوان وما نقلته تاريخياً عن أسلافهم «جماعة الحشاشين»، ألا وهي التنظيمات السرية وفرق الاغتيالات السياسية، التي فرخت مع الزمن الكثير من الجماعات الإرهابية التي خرجت من رحمها الفاسد، بعد أن كادت هذه الجماعة على وشك أن تندثر وتنتهي تماما بمقتل مؤسسها حسن البنا مثلما انتهت من قبلها جماعة الحشاشين لولا أن الغرب أنقذها وحافظ على بقائها من أجل أن يحافظ على نفوذه ومصالحه التي لا تتحقق إلا بإضعاف العالم العربي والإسلامي وتفتيته من خلال خلق مواجهات وصراعات دائمة بين هذه الجماعات ضد الدول، مع تقديم الوعود الزائفة لهذه الجماعات في الوصول إلى السلطة دون أن تدرك أنها وقعت في فخ استراتيجية «العصا والجزرة»، لتسير خلف السراب مقابل تدمير أوطاننا.
في الحلقة القادمة
- العلاقة التاريخية بين «الإخوان» وثورة «الملالي» في إيران
- التشابه بين الإسلام السياسي في نسختيه «الإخوانية» و«ولاية الفقيه»
- أسباب قطع العلاقات بين القاهرة وطهران
- لماذا تضع إيران صورة سيد قطب على طوابع البريد الرسمية؟
- لماذا رفض «الخميني» مبايعة «الإخوان» له كـ«خليفة للمسلمين»؟